الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.(فَرْعٌ): [الجَهلُ باسمِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ]: (أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ)، (فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ) وَقْفًا، (وَجُهِلَ اسْمُهُ)- أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ-؛ (أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ)، وَلَوْ وَجَدَ فِي كِتَابِ وَقْفٍ رَجُلًا وَقَفَ (عَلَى فُلَانٍ، وَ) عَلَى (بَنِي بَنِيهِ، وَاشْتَبَهَ هَلْ الْمُرَادُ ذَلِكَ)؛ أَيْ: بَيْنَ بَنِيهِ- جَمْعُ ابْنٍ-، أَوْ الْمُرَادُ (بَنِي بِنْتِهِ)، وَاحِدَةِ الْبَنَاتِ؛ فَيَكُونُ الْوَقْفُ (لِبَنِي الْبَنِينَ) خَاصَّةً، (وَلَا يُشَارِكُهُمْ بَنُو الْبَنَاتِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) فِي قَوْلِهِ فِي الْفُنُونِ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا؛ كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ.قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرَدُّدِ الْبَيِّنَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ؛ فَالْقِسْمَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ إمَّا التَّسَاقُطُ وَإِمَّا الْقُرْعَةُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ هُنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ بَنِيهِ لَا يَخُصُّ مِنْهُمَا الذُّكُورَ، بَلْ يَعُمُّ أَوْلَادَهُمَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ الذُّكُورِ؛ فَإِنَّهُ يَخُصُّ ذُكُورَهُمْ كَثِيرًا كَآبَائِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ وَلَدَ الْبِنْتِ لَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا، أَوْ لَشَرَّكَ بَيْنَ وَلَدِهَا وَوَلَدِ سَائِرِ بَنَاتِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِنْصَافِ..(فَصْلٌ): [اشتراطُ الْوَاقِفِ نَاظِرًا عَلَى الْمَوْقُوفِ]: (وَإِذَا لَمْ يَشْرُطْ وَاقِفٌ نَاظِرًا) عَلَى الْمَوْقُوفِ (أَوْ شَرَطَهُ)؛ أَيْ: النَّظَرَ (لِمُعَيَّنٍ، فَمَاتَ) الْمَشْرُوطُ لَهُ؛ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةُ النَّصْبِ؛ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ النَّصْبَ وَلَا الْعَزْلَ، وَيَكُونُ (نَظَرُهُ لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إنْ حُصِرَ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ زَيْدٍ (فَيَنْظُرُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (عَلَى حِصَّتِهِ) كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ، سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَغَلَّتَهُ لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ. كَالْوَقْفِ (عَلَى الْفُقَرَاءِ) وَالْمَسَاكِينِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْقُرَّاءِ، فَنَظَرُهُ لِلْحَاكِمِ، وَإِلَّا فَالْمَوْقُوفُ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ رِبَاطٍ، أَوْ قَنْطَرَةٍ، أَوْ سِقَايَةٍ، فَنَظَرُهُ (لِحَاكِمِ بَلَدِ الْوَقْفِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ (أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ) الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْجُودِينَ، وَحَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ؛ فَكَانَ نَظَرُهُ لِلْحَاكِمِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ الْحَاكِمُ. (وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ) مِنْ الْوَاقِفِينَ (لِلْحَاكِمِ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ بِكَوْنِهِ حَنَفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا أَوْ شَافِعِيًّا أَوْ حَنْبَلِيًّا (شَمِلَ) لَفْظُ الْحَاكِمِ (أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ، مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ) كَانَ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُ الْحَاكِمِ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَاقِفِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَتَّجِهُ) فِي إطْلَاقِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِمَنْ بِالْبَلْدَةِ مِنْ الْحُكَّامِ جَمِيعًا (وَلَوْ تَعَدَّدُوا)- أَيْ: حُكَّامُ الْبَلَدِ (لَا إنَّهُ)- أَيْ: أَمْرُ النَّظَرِ-، يَكُونُ (لِلسُّلْطَانِ إذَنْ) أَيْ: حَيْثُ كَانَ مُطْلَقًا (إذْ هُمْ)- أَيْ: الْحُكَّامُ الْمُتَعَدِّدُونَ- (نُوَّابُهُ)- أَيْ: السُّلْطَانِ-، فَيُعْمَلُ بِتَوْجِيهٍ سَابِقٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وَلَا غَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَا نَقْضُ تَوْجِيهٍ صَدَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ، وَبِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ السُّلْطَانِ، مَأْذُونًا لَهُ فِي تَعَاطِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا مِنْهَا (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى الْقَائِلِينَ فِي ذَلِكَ (تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَابْنُ قُنْدُسٍ، فَإِنَّهُمَا جَزَمَا بِأَنَّ النَّظَرَ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ مَعَ التَّعَدُّدِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ مَقْبُولٌ، لَوْ سَاعَدَتْهُ النُّقُولُ. وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ: فَإِنْ تَعَدَّدَ الْحُكَّامُ؛ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى فِي شَرْحِهِ: قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ نَصْرُ اللَّهِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي وَقْفٍ شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنْ النَّظَرَ فِيهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ بِأَنَّ الْحُكَّامَ إذَا تَعَدَّدُوا؛ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلسُّلْطَانِ، يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ، وَشِهَابُ الدِّينِ الْبَاعُونِيُّ، وَابْنُ الْهَائِمِ، وَالتَّفْهَنِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَالْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ. (فَلَوْ وَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا)- أَيْ: الْحَاكِمَيْنِ-، أَوْ الْحُكَّامِ الْمُتَعَدِّدِينَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ (شَخْصًا؛ صَحَّ، وَقَدَّمَ السُّلْطَانُ أَحَقَّهُمَا)- أَيْ: الشَّخْصَيْنِ-؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَلِكَ، إنْ اتَّحَدَا تَارِيخًا، وَلَا يَشْتَرِكَانِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا وُلِّيَ لِيَنْظُرَ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَكَانَ أَحَقُّهُمَا بِذَلِكَ أَوْلَى، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْأَحَقِّيَّةِ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ فَوَّضَهُ)- أَيْ: النَّظَرَ- (حَاكِمٌ) لِإِنْسَانٍ (لَمْ يَجُزْ) لِحَاكِمٍ آخَرَ (نَقْضُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَاسُوا التَّفْوِيضَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ قَبْلَهُ. انْتَهَى.وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ وَعَزْلُهُ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْحُكَّامُ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا حَاكِمٌ وَاحِدٌ، بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. أَوْ يُقَالُ النَّصْبُ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ، أَوْ التَّفْوِيضُ إسْنَادُهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ (بَلْ يَنْظُرُ) الْحَاكِمُ (مَعَهُ)- أَيْ: مَعَ الْمُفَوَّضِ لَهُ النَّظَرُ، حِفْظًا لِلْوَقْفِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطَ نَظَرٍ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا) وَهَذَا اخْتِيَارُ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ. (وَمَنْ شَرَطَهُ)- أَيْ: النَّظَرَ- (لِفُلَانٍ، فَإِنْ مَاتَ فَفُلَانٍ) بِأَنْ قَالَ الْوَاقِفُ: النَّظَرُ لِزَيْدٍ، فَإِنْ مَاتَ فَلِعَمْرٍو مَثَلًا (فَعَزَلَ) زَيْدٌ (نَفْسَهُ، أَوْ فَسَقَ) وَقُلْنَا: يَنْعَزِلُ (فَكَمَوْتِهِ) لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ الْمَوْتَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ فَلَا يُعْتَدُّ بِمَفْهُومِهِ، وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النَّظَرِ لِغَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالٌ فِي الْوَقْفِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، وَحَقُّهُ بَاقٍ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ التَّصَرُّفِ؛ انْتَقَلَ إلَى مَنْ يَلِيهِ، كَمَا لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَلِيهِ؛ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ.قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.(وَ) إنْ شَرَطَ النَّظَرَ (لِأَفْضَلِ أَوْلَادِهِ) أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ؛ فَالنَّظَرُ لَهُ- أَيْ: لِلْأَفْضَلِ مِنْهُمْ؛ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (فَإِنْ أَبَى) الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ (فـَ) النَّظَرُ (لِمَنْ يَلِيهِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. (وَلَوْ وَلِيَهُ)- أَيْ: النَّظَرَ (الْأَفْضَلُ، فَحَدَثَ) مَنْ هُوَ (أَفْضَلُ مِنْهُ انْتَقَلَ) النَّظَرُ (إلَيْهِ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ (فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ) فِي الْفَضْلِ (اشْتَرَكَا) فِي النَّظَرِ.(وَ) إنْ شَرَطَ النَّظَرَ (لِاثْنَيْنِ مِنْ أَفَاضِلِ وَلَدِهِ)- أَيْ: الْوَاقِفِ- (فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا) فَاضِلٌ (وَاحِدٌ) مِنْ أَوْلَادِهِ (ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ) يَنْظُرُ مَعَهُ؛ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ جَعَلَهُ)- أَيْ: النَّظَرَ- (لِاثْنَيْنِ غَيْرِ مُسْتَقِلَّيْنِ) لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ، كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ عَنْ وَاحِدٍ (فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ انْعَزَلَ) ضُمَّ إلَى الْحَيِّ أَمِينٌ يَنْظُرُ مَعَهُ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. (وَشُرِطَ فِي نَاظِرٍ أَجْنَبِيٍّ)- أَيْ: غَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ- وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ (وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ) كَوَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاقِفُهُ نَاظِرًا، فَفَوَّضَهُ الْحَاكِمُ إلَى إنْسَانٍ (أَوْ) كَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ (نَاظِرٍ أَصَالَةً) أَيْ: بِجَعْلِ الْوَاقِفِ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ بِدُونِهِ إنْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ (إسْلَامٌ) إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، أَوْ كَانَتْ جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ الْإِسْلَامِ؛ كَمَسْجِدٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى كَافِرٍ مُعَيَّنٍ؛ جَازَ شَرْطُ النَّظَرِ فِيهِ لِكَافِرٍ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ، وَشَرَطَ النَّظَرَ لِأَحَدِهِمْ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ؛ فَيَصِحُّ، كَمَا فِي وَصِيَّةِ الْكَافِرِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي وَغَيْرُهُ.(وَ) شُرِطَ أَيْضًا فِي النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ (تَكْلِيفٌ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَنْظُرُ فِي مِلْكِهِ الطَّلْقِ، فَفِي الْوَقْفِ أَوْلَى.(وَ) شُرِطَ فِيهِ أَيْضًا (رُشْدٌ) لِأَنَّ السَّفِيهَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَالِهِ؛ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِهِ.(وَ) شُرِطَ فِيهِ أَيْضًا (كِفَايَةٌ لِتَصَرُّفٍ، وَخِبْرَةٌ)- أَيْ: عِلْمٌ- (بِهِ)- أَيْ: التَّصَرُّفِ (وَقُوَّةٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَرِّفُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الذُّكُورِيَّةُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى بِالنَّظَرِ لِحَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. (وَيَضُمُّ) لِنَاظِرٍ (ضَعِيفٍ) تَعَيَّنَ كَوْنُهُ نَاظِرًا، بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ كَوْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (قَوِيًّا أَمِينًا) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ (وَ) إنْ كَانَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الـ (عَدَالَةِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالٍ، فَاشْتُرِطَ لَهَا الْعَدَالَةُ، كَالْوِلَايَةِ، عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجْنَبِيُّ الْمُوَلَّى مِنْ حَاكِمٍ أَوْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ عَدْلًا؛ لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ، وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الْوَقْفِ حِفْظًا لَهُ. (فَإِنْ فَسَقَ مَنْصُوبُ حَاكِمٍ) بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا؛ عُزِلَ (أَوْ أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ) الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ (عُزِلَ) مِنْ التَّوْلِيَةِ، وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ التَّوْلِيَةَ ابْتِدَاءُ مَنْعِهَا دَوَامًا (فَإِنْ عَادَ) إلَى أَهْلِيَّتِهِ (عَادَ حَقُّهُ) مِنْ النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِيَّتِهِ عَادَ حَقُّهُ (كَوَصِيٍّ) عُزِلَ لِمُقْتَضٍ ثُمَّ زَالَ؛ فَيُعَادُ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِيَّتِهِ؛ يُعَادُ إلَى النَّظَرِ (مَا لَمْ يُقَرِّرْ) الْحَاكِمُ شَخْصًا (غَيْرَهُ قَبْلَ) عَوْدِهِ، فَإِنْ قَرَّرَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ إزَالَتُهُ بِدُونِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ؛ لِمُصَادَفَةِ تَقْرِيرِهِ مَحَلَّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.(وَ) إنْ وُلِّيَ النَّظَرَ أَجْنَبِيٌّ (مِنْ وَاقِفٍ) بِأَنْ شَرَطَهُ لَهُ (وَهُوَ)- أَيْ: الْأَجْنَبِيُّ- (فَاسِقٌ أَوْ) وَهُوَ عَدْلٌ، ثُمَّ (فَسَقَ؛ يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ) لِحِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ مِنْهُ؛ أُزِيلَتْ وِلَايَتُهُ، فَإِنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ أَهَمُّ مِنْ إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إمَّا بِجَعْلِهِ) أَيْ: الْوَاقِفِ النَّظَرَ (لَهُ) أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ لِكَوْنِهِ) أَيْ: الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (أَحَقَّ) بِالنَّظَرِ (لِعَدَمِ) تَعْيِينِ (غَيْرِهِ؛ فَهُوَ) أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (مَعَ رُشْدٍ أَحَقُّ) بِالنَّظَرِ (مُطْلَقًا) أَيْ: عَدْلًا كَانَ، أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَقْفَ، فَهُوَ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَلَمْ يُشْرَطْ النَّظَرُ لِغَيْرِهِ (فَوَلِيُّهُ) يَقُومُ بِالنَّظَرِ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ، فَهُوَ كَمِلْكِهِ الطَّلْقِ. (وَلَوْ شَرَطَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (وَاقِفٌ لِغَيْرِهِ) مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ عَزَلَهُ (لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ لَهُ) كَإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (إلَّا إنْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ (لِنَفْسِهِ، وِلَايَةَ الْعَزْلِ) فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَلَهُ شَرْطُهُ.(وَ) إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ (لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (لِغَيْرِهِ، أَوْ أَسْنَدَهُ، أَوْ فَوَّضَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (إلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: جَعَلْت النَّظَرَ، أَوْ فَوَّضْته، أَوْ أَسْنَدْته إلَى زَيْدٍ (فَلَهُ) أَيْ: الْوَاقِفِ (عَزْلُهُ) أَيْ: الْمَجْعُولِ أَوْ الْمُسْنَدِ أَوْ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (لِأَنَّهُ نَائِبُهُ) أَشْبَهَ الْوَكِيلَ. (وَلِنَاظِرٍ بِأَصَالَةٍ كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ) إنْ كَانَ مُعَيَّنًا (وَحَاكِمٍ) فِيمَا وَقَفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ غَيْرَهُ (نُصِّبَ) وَكِيلٌ عَنْهُ (وَعَزَلَهُ) لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ، أَشْبَهَ الْمُتَصَرِّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَتَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِي مَالِ يَتِيمٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَحَاكِمٍ عَزْلُ وَكِيلِهِ (وَلَوْ بِلَا جُنْحَةٍ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَكَوْنُهُ لَهُ عَزْلُهُ (لِأَصَالَةِ نَظَرِهِ فَهُوَ) أَيْ: مَنْ نَصَّبَهُ النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ (نَائِبُهُ) كَمَا فِي الْمُطْلَقِ، وَلَهُ الْوَصِيَّةُ لِنَظَرٍ؛ لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ.قَالَ الْحَارِثِيُّ: (وَلِلْمُسْتَنِيبِ عَزْلُ نَائِبِهِ مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ مَتَى شَاءَ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ (فَلَوْ فَوَّضَهُ) أَيْ: النَّظَرَ (حَاكِمٌ) لِشَخْصٍ؛ وَعُزِلَ الْحَاكِمُ لِطُرُوِّ فِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَاتَ (جَازَ) لِحَاكِمٍ (آخَرَ نَقْضُهُ)- أَيْ: نَقْضُ مَا فَوَّضَهُ-؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَمَتَى عُزِلَ الْأَصِيلُ، أَوْ مَاتَ عُزِلَ الْوَكِيلُ. (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى (فِيمَا يُوهِمُ) خِلَافَ ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ: وَلِنَاظِرٍ- وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ- وَلِحَاكِمٍ نَصْبُ نَاظِرٍ، وَعَزْلُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: وَلِنَاظِرٍ بِأَصَالَةٍ، كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَحَاكِمٍ، نَصْبٌ وَعَزْلٌ. فَاقْتِصَارُهُمَا عَلَى أَنَّ النَّصْبَ وَالْعَزْلَ لِلنَّاظِرِ وَالْحَاكِمِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقْضُ مَا فَوَّضَهُ حَاكِمٌ قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّ الْمُقْتَضَى خِلَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَ النَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ أَوْ الْحَاكِمِ، إنَّمَا هُوَ اسْتِنَابَةٌ قَائِمَةٌ مَقَامَ التَّوْكِيلِ، فَإِذَا طَرَأَ الْعَزْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ فَلِمَنْ لَهُ التَّوْلِيَةُ بَعْدَهُ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَ النَّظَرَ حَاكِمٌ؛ لَمْ يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ فَإِنَّهُ هُنَاكَ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مَعَ تَعَدُّدِ الْحُكَّامِ، وَهُنَا مَعَ الِانْفِرَادِ، فَانْتَفَى التَّعَارُضُ. (وَلَا يُنَصَّبُ) نَاظِرٌ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ النَّصْبُ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ النَّاظِرُ بِالشَّرْطِ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ، لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ نَصْبَ غَيْرِهِ بِدُونِ شَرْطٍ، أَيْ بِدُونِ شَرْطِ وِلَايَةِ النَّصْبِ لِنَفْسِهِ، وَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ، فَكَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. (وَلَا يَعْزِلُ نَاظِرٌ بِشَرْطٍ) نَاظِرًا حَيْثُ أَقَامَهُ هُوَ. فَقَوْلُهُ: وَلَا يَعْزِلُ، فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ إذْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النَّصْبِ أَصَالَةً، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: وَلَا يَعْزِلُ؛ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْصُوبًا يَعْزِلُهُ. (وَلَا يُوصِي) نَاظِرٌ بِشَرْطٍ (بِهِ)؛ أَيْ: بِالنَّظَرِ.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُشْرَطْ الْإِيصَاءُ لَهُ (مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ لَا، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِوَصِيَّتِهِ بِالنَّظَرِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ) أَمَّا لَوْ جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ أَنْ يُوصِيَ؛ صَحَّ إيصَاؤُهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَشْرُوطُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ لَهُ النَّصْبَ؛ لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ؛ إذْ الشَّرْطُ كَالْمُؤَكِّدِ لِمُقْتَضَى الْوَقْفِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ أَسْنَدَ) الْوَاقِفُ النَّظَرَ (لِاثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ، مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، أَوْ جَعَلَ النَّظَرَ الْحَاكِمُ أَوْ النَّاظِرُ الْأَصْلِيُّ إلَيْهِمَا (لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا) عَنْ الْآخَرِ (بِلَا شَرْط) لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرْضَ بِوَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ، وَأَبَى أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ؛ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ آخَرَ. (وَإِنْ شَرَطَ) وَاقِفٌ (النَّظَرَ لِكُلِّ مِنْهُمَا) بِأَنْ قَالَ: جَعَلْت النَّظَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ) جَعَلَ (التَّصَرُّفَ لِوَاحِدٍ، أَوْ) جَعَلَ (الْيَدَ لِآخَرَ) صَحَّ (أَوْ) جَعَلَ (عِمَارَتَهُ) أَيْ: الْوَقْفَ (لِوَاحِدٍ، وَ) جَعَلَ (تَحْصِيلَ رِيعِهِ لِآخَرَ؛ صَحَّ) تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ أَبَى؛ لَمْ يُحْتَجْ إلَى إقَامَةِ آخَرَ، وَاسْتَقَلَّ الْمَوْجُودُ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. (فَلَوْ) تَنَازَعَ نَاظِرَانِ غَيْرُ مُسْتَقِلَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِي نَصْبِ إمَامٍ، نَصَّبَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا، وَالْآخَرُ عَمْرًا؛ لَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ لِأَحَدِهِمَا، لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. وَإِنْ اسْتَقَلَّا وَ(قُرِّرَا فِي وَظِيفَةٍ) وَسَبَقَ نَصْبُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ؛ انْعَقَدَتْ وَ(قُدِّمَ الْأَسْبَقُ) مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا (وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّحَدَ وَاسْتَوَى الْمَنْصُوبَانِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ قُدِّمَ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِيمَا وَظَّفَهُ (فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي) وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ (وَظَائِفِ أَوْقَافٍ حَقِيقِيَّةٍ) كَأَوْقَافِ التُّجَّارِ وَنَحْوِهِمْ؛ كَمَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ شَخْصٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً مِنْ الْوَظَائِفِ فِي وَقْفٍ، وَيَأْتِي. (بَلْ) يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي وَظِيفَةٍ فِي أَوْقَافٍ صُورِيَّةٍ (كَأَوْقَافِ) الْأُمَرَاءِ وَ(الْمُلُوكِ) فَإِنَّ أَوْقَافَهُمْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ وَقْفَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى جِهَاتِ الْخَيْرِ نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ صَاحِبُ دِمَشْقَ، ثُمَّ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ صَاحِبُ مِصْرَ لَمَّا اسْتَفْتَيَا ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ فَأَفْتَاهُمَا بِالْجَوَازِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إرْصَادٌ وَإِفْرَازٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، لِيَصِلُوا إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ حَقِيقِيٌّ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ، وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِذَلِكَ. وَوَافَقَ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى فَتْوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَوْقَافُ الصُّورِيَّةُ إفْرَازًا وَإِرْصَادًا؛ فَلِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ، أَنْ يُقِيمَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا رِيبَةَ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ هَذَا النَّاظِرِ الْمَنْصُوبِ وَكِيلًا عَمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ. (وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ نَاظِرٍ خَاصٍّ) أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: (وَيَتَوَجَّهُ) عَدَمُ النَّظَرِ لِغَيْرِ النَّاظِرِ (مَعَ حُضُورِهِ) فِي الْبَلَدِ، أَمَّا إذَا غَابَ النَّاظِرُ (فَيُقَرَّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ وَلَا حُجَّةَ فِي تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مَعَ الْبُعْدِ لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ، فَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ. (انْتَهَى). وَعَلَى هَذَا لَوْ وَلَّى النَّاظِرُ الْغَائِبُ إنْسَانًا، وَوَلَّى الْحَاكِمُ آخَرَ؛ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ تَوْلِيَةً مِنْهُمَا (لَكِنْ لَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (النَّظَرُ الْعَامُّ، فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ (إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ) لَهُ فِعْلُهُ؛ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (ضَمُّ أَمِينٍ) إلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ (مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ؛ لِيَحْصُلَ) بِالْأَمِينِ (الْمَقْصُودِ) مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ، وَاسْتِصْحَابِ يَدِ مَنْ أَرَادَهُ الْوَاقِفُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الثَّانِي، وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِيَحْصُلَ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِهِ. وَكَذَا إذَا ضُمَّ إلَى ضَعِيفٍ قَوِيٌّ مُعَاوِنًا لَهُ، فَلَا تَزَالُ يَدُ الْأَوَّلِ عَنْ الْمَالِ، وَلَا نَظَرِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ النَّاظِرُ دُونَ الثَّانِي، هَذَا قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوصَى لَهُ. (وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ عَلَى نَاظِرٍ أَمِينٍ) وَلَّاهُ الْوَاقِفُ، وَلَهُمْ مَسْأَلَتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَى عِلْمِهِ مِنْ أَمْرِ وَقْفِهِمْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُهُ فِيهِ (وَلَهُمْ) أَيْ: أَهْلِ الْوَقْفِ (الْمُطَالَبَةُ بِانْتِسَاخِ كِتَابِ الْوَقْفِ). لِتَكُونَ نُسْخَتُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَثِيقَةً لَهُمْ. (وَلِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْوَقْفِ (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَصْلَحَةٍ؛ كَشِرَاءٍ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً، أَوْ شِرَاءٍ بِنَقْدٍ لَمْ يُعِنْهُ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي قَرْضِهِ مَالًا كَوَلِيٍّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّاظِرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ (نَصْبُ) جَابٍ (مُسْتَوْفٍ لِلْعُمَّالِ) عَلَى الْوَقْفِ (الْمُتَفَرِّقِينَ) وَظَائِفَهُ الْقَائِمِينَ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لِكُلٍّ عَلَى عَمَلِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُهُ، فِي كُلِّ مَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ (إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ)- أَيْ: الْمُسْتَوْفِي- أَوْ لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةٌ إلَّا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ وَتَمَّتْ الْمَصْلَحَةُ بِدُونِهِ لِقِلَّةِ الْأَعْمَالِ، وَمُبَاشَرَتِهِ الْحِسَابَ بِنَفْسِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ نَصْبُهُ، وَلِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ وَاسْتِيفَاءَ الْحِسَابِ بِنَفْسِهِ، وَيُوَلِّي مَعَ الْبُعْدِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِذَا قَامَ الْمُسْتَوْفِي بِمَا عَلَيْهِ) مِنْ الْعَمَلِ (اسْتَحَقَّ مَا فُرِضَ لَهُ) وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ. (وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ نَصْبُ دِيوَانٍ) يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا (لِحِسَابِ أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ) عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ؛ كَمَا لَهُ نَصْبُ دَوَاوِينَ لِحِسَابِ (الْأُمُورِ السُّلْطَانِيَّةِ) كَالْفَيْءِ وَغَيْرِهِ، مِمَّا يَئُولُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ تَرِكَاتٍ وَنَحْوِهَا..(فَصْلٌ): [وَظِيفَةُ النَّاظِرِ]: (وَوَظِيفَةُ نَاظِرٍ حِفْظُ وَقْفٍ، وَعِمَارَتُهُ، وَإِيجَارُهُ، وَزَرْعُهُ، وَمُخَاصَمَةٌ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ) بِمَا تَحْصُلُ بِهِ تَنْمِيَتُهُ (مِنْ عِمَارَةٍ، وَإِصْلَاحٍ، وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ) وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ؛ يُقْبَلُ قَوْلُ النَّاظِرِ الْمُتَبَرِّعِ فِي دَفْعِ الْمُسْتَحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ وَلَا يُعْمَلُ بِالدَّفْتَرِ الْمَمْضِيِّ الْمَعْرُوفِ فِي زَمَنِنَا بِالْمُحَاسَبَاتِ، فِي مَنْعِ مُسْتَحَقٍّ وَنَحْوِهِ، إذَا كَانَ بِمُجَرَّدِ إمْلَاءِ النَّاظِرِ وَالْكَاتِبِ عَلَى مَا اُعْتِيدَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. وَقَدْ أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي عَصْرِنَا. (وَنَحْوُهُ) كَشِرَاءِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْوَقْفَ، وَحِفْظُهُ وَحِفْظُ رِيعِهِ، وَتَنْفِيذُ شَرْطِ وَاقِفِهِ، وَطَلَبُ الْحَظِّ مَطْلُوبٌ فِيهِ شَرْعًا، فَكَانَ ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ. (وَلَهُ)- أَيْ: النَّاظِرِ- (وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ)- أَيْ: الْوَقْفِ-، وَعَلَى رِيعِهِ (وَ) لَهُ (التَّقْرِيرُ فِي وَظَائِفِهِ) ذَكَرُوهُ فِي نَاظِرِ الْمَسْجِدِ، فَيُنَصِّبُ مَنْ يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ، مِنْ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ وَغَيْرِهِمْ؛ كَمَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصْبَ مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ، مِنْ جَابٍ وَحَافِظٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ نَصْبِ مَنْ يَجِبُ نَصْبُهُ؛ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ؛ كَوَلِيِّ النِّكَاحِ إذَا عَضَلَ، وَإِنْ طَلَبَ عَلَى النَّصْبِ جُعْلًا سَقَطَ حَقُّهُ، وَقَرَّرَ الْحَاكِمُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ. وَلَيْسَ لِمُتَكَلِّمٍ عَلَى وَقْفٍ، مِنْ نَاظِرٍ وَغَيْرِهِ، تَقْرِيرُ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ كَوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ، فِي شَيْءٍ مِنْ وَظَائِفِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُمْ كَهُوَ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لَهُ وَلَا لَهُمْ؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ كَوْنِهِ نَاظِرًا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لِوَقْفٍ، وَلَا مُبَاشِرًا فِيهِ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِغَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، أَفْتَى بِذَلِكَ ابْنُ النَّجَّارِ. (وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ) [عَلَى نَصْبِهِ]- أَيْ: النَّاظِرِ، وَلَا الْإِمَامِ (إلَّا بِشَرْطٍ) مِنْ الْوَاقِفِ، فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي الصَّرْفِ نَصْبَ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ كَالْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ بِالْمَدْرَسَةِ مَثَلًا؛ فَلَا إشْكَالَ فِي تَوَقُّفِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى نَصْبِ النَّاظِرِ لَهُ، عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا يَشْرِطُ الْوَاقِفُ نَصْبَ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ، بَلْ قَالَ: وَيَصْرِفُ النَّاظِرُ إلَى مُدَرِّسٍ أَوْ مُعِيدٍ أَوْ مُتَفَقِّهَةٍ بِالْمَدْرَسَةِ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصْبِ نَاظِرٍ وَلَا إمَامٍ. (فَلَوْ انْتَصَبَ بِمَدْرَسَةٍ مُدَرِّسٌ أَوْ مُعِيدٌ وَأَذْعَنَ لَهُ) الطَّلَبَةُ (بِالِاسْتِفَادَةِ، وَتَأَهَّلَ لِذَلِكَ؛ اسْتَحَقَّ، وَلَمْ يُنَازَعْ) لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ الشَّيْخِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جَوَازِ التَّصَدِّي لِلْإِقْرَاءِ وَالْإِفَادَةِ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ؛ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ، وَعَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ عِلْمٍ، وَفِي الْإِقْرَاءِ وَالْإِفْتَاءِ، خِلَافًا لِمَا يَتَوَهَّمُهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ اعْتِقَادِ كَوْنِهِمَا شَرْطًا.قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا إجْمَاعًا، بَلْ إنْ عَلِمَ أَهْلِيَّتَهُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَازَةُ، أَوْ عَدِمَهَا؛ حَرُمَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَادَّعَى ابْنُ خَيْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ- وَلَوْ بِالْإِجَازَةِ- انْتَهَى.(وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بِهَا) أَيْ: الْمَدْرَسَةِ (طَالِبٌ مُتَفَقِّهًا) وَلَوْ لَمْ يُنَصِّبْهُ نَاصِبٌ اسْتَحَقَّ؛ لِوُجُودِ التَّفَقُّهِ (وَكَذَا) لَوْ شُرِطَ الصَّرْفُ الْمُطْلَقُ إلَى (إمَامِ) مَسْجِدٍ (وَنَحْوِ مُؤَذِّنِهِ) كَقَيِّمِهِ فَأَمَّ إمَامٌ، وَرَضِيَهُ الْجِيرَانُ أَوْ أَذَّنَ فِيهِ مُؤَذِّنٌ، أَوْ قَامَ بِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ قَائِمٌ؛ كَانَ مُسْتَحِقًّا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَمَعَ شَرْطِ وَاقِفٍ نَحْوِ نَاظِرٍ) كَأَمِينٍ (وَمُدَرِّسٍ وَمُعِيدٍ وَإِمَامٍ لَمْ يَجُزْ قِيَامُ شَخْصٍ) وَاحِدٍ بِالْوَظَائِفِ كُلِّهَا (وَلَوْ أَمْكَنَهُ جَمْعٌ بَيْنَهَا) صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ أَمْكَنَ النَّاظِرُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَظَائِفِ لِوَاحِدٍ فَعَلَ.(وَ) قَالَ (فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ) وَ(لَا) يَجُوزُ أَنْ (يَؤُمَّ) فِي الْمَسَاجِدِ السُّلْطَانِيَّةِ وَهِيَ (الْجَوَامِعُ الْكِبَارُ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) لِئَلَّا يُفْتَأَتَ عَلَيْهِ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ، وَإِنْ نَدَبَ لَهُ إمَامَيْنِ، وَخَصَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ جَازَ؛ كَمَا فِي تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِصَلَاةِ النَّهَارِ وَالْآخَرِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يُخَصِّصْ فَهُمَا سَوَاءٌ وَأَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِقَوْمٍ آخَرِينَ وَإِنْ حَضَرَا مَعًا وَتَنَازَعَا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَيَسْتَنِيبُ) مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ (إنْ غَابَ) وَيَصِيرُ نَائِبُهُ أَحَقَّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَإِنْ غَابَ وَلَمْ يُقِمْ نَائِبًا؛ فَيُقَدَّمُ مَنْ رَضِيَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ؛ لِتَعَذُّرِ إذْنِهِ (وَمَا بَنَاهُ أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَالْإِمَامَةُ لِمَنْ رَضُوهُ) لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي أَئِمَّةِ مَسَاجِدِهِمْ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) اتِّفَاقُهُمْ عَلَى وَاحِدٍ (فَلِرَئِيسِ الْقَرْيَةِ) نَصْبُ إمَامٍ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ (وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَا) بِهِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ (عَزْلُهُ) عَنْ إمَامَتِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُمْ بِهِ كَالْوِلَايَةِ، فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ) بِنَحْوِ فِسْقٍ أَوْ مَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ (لَكِنْ يَسْتَنِيبُ إنْ غَابَ) قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْجِيرَانِ لَهُ لَيْسَ وِلَايَةً، وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِرِضَاهُمْ بِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُمْ بِهِ الرِّضَى بِنَائِبِهِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتٍ، بِخِلَافِ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ صَارَ لَهُ بِالْوِلَايَةِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ (وَأَقَلُّ مَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِمَامِ) الَّذِي نَصَّبَهُ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ أَوْ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ (الْعَدَالَةُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَالْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ) فِي الصَّلَاةِ (وَالْعِلْمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ) وَمَا يُعْتَبَرُ بِهَا مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ. (قَالَ الْحَارِثِيُّ): فَجُعِلَ نَصْبُ الْإِمَامِ فِي هَذَا النَّوْعِ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَيْ: جِيرَانِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ النَّصْبَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ (لَكِنْ لَا يُنَصِّبُ إلَّا بِرِضَى الْجِيرَانِ) عِبَارَتُهُ لَا يُنَصِّبُ إلَّا مَنْ يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ (وَكَذَا نَاظِرٌ خَاصٌّ، فَلَا يُنَصِّبُ مَنْ لَا يَرْضَوْنَهُ) أَيْ: الْجِيرَانُ؛ لِمَا فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً، مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ». وَذُكِرَ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ، وَقَالَ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ مَعَ وُجُودِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِي مَصَالِحِهِ وَوَقْفِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْقَاضِي كَالْقُرَى الصِّغَارِ وَالْأَمَاكِنِ النَّائِيَةِ، أَوْ وُجِدَ وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ وُجِدَ وَهُوَ مَأْمُونٌ، لَكِنَّهُ يُنَصِّبُ غَيْرَ مَأْمُونٍ؛ فَلِأَهْلِهِ النَّصْبُ؛ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ، وَدَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَكَذَا مَا عَدَا الْمَسْجِدَ مِنْ الْأَوْقَافِ لِأَهْلِهِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِيهِ كَذَلِكَ؛ أَيْ: لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَاضِي الْمَأْمُونِ نَاصِبًا لِمَأْمُونٍ.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: (وَيَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقُّ شَرْعًا) وَأَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ وَاجِبٍ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: الْإِمَامَةُ بِالنَّاسِ طَرِيقُهَا الْأَوْلَى لَا الْوُجُوبُ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّقَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَاضَى النَّاسُ بِإِمَامٍ يُصَلِّي لَهُمْ صَحَّ (وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقُ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوِلَايَةُ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْحَاصِلُ إنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ نَاظِرٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ [مِنْ] وَاقِفٍ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ عَدْلٌ فَفَسَقَ؛ صَحَّ، وَضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ (وَمَنْ قُرِّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِوَظِيفَةٍ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ حَرُمَ) عَلَى نَاظِرٍ وَغَيْرِهِ (صَرْفُهُ عَنْهَا بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ) يَقْتَضِي ذَلِكَ كَتَعْطِيلِهِ الْقِيَامَ بِهَا وَفِسْقٍ يُنَافِيهَا، وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَلَوْ عَيَّنَهُ وَاقِفٌ (وَمَنْ لَمْ يُقَمْ بِوَظِيفَةِ بَدَلٍ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ؛ أَيْ: غَيَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ (بِمَنْ يَقُومُ بِهَا) تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ (إنْ لَمْ يَتُبْ وَيَلْتَزِمْ الْوَاجِبَ) قُبِلَ صَرْفُهُ.قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَوْ عُزِلَ مِنْ وَظِيفَةٍ لِلْفِسْقِ، ثُمَّ تَابَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا. انْتَهَى.وَإِنْ قَصَّرَ فَتَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَابَلَهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا عَلَى الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (مَنْ وَقَفَ) وَقْفًا (عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِنَاظِرٍ ثُمَّ حَاكِمٍ تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ) [فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ] وَلَيْسَ تَقْدِيرُ النَّاظِرِ أَمْرًا حَتْمًا كَتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ لِمَصْلَحَةٍ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ تَغْيِيرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٍ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي لِتَغَيُّرِ السَّبَبِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يُزَادُ وَلَا يَنْقُصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصِهِ لِلْمَصْلَحَةِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ (وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيرِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ بِهِ) وَلَا بِمَا يُشْبِهُهُ. (وَلَوْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ). وَبُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ وَالْعُرْفَ أَيْضًا (لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّذَ) الْحَاكِمُ (حُكْمَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ) لِلْحُكْمِ كَالْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ (لِحُكْمِهِ مَسَاغٌ، وَالضَّرُورَةُ وَإِنْ أَلْجَأَتْ إلَى تَنْفِيذِ حُكْمِ الْمُقَلِّدِ، فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ: التَّنْفِيذُ يَسُوغُ (إذَا وَقَفَ) الْمُقَلِّدُ (عَلَى حَدِّ التَّقْلِيدِ) وَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى قَضِيَّةٍ لَوْ نَزَلَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ الشُّورَى (وَ) إنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ بِالتَّقْدِيمِ بَاطِلًا (لِأَنَّهُ حُكْمٌ) عَلَى مَا سَيُوجَدُ؛ فَهُوَ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَةٍ) فُوِّضَ إلَيْهِ (الْحُكْمُ) بِهَا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ (وَلِأَنَّ النَّمَاءَ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ، بِخِلَافِ مُدَرِّسٍ وَمُعِيدٍ وَفُقَهَاءَ) أَيْ: مُتَفَقِّهَةٍ (فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ).قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ شُرِطَ عَلَى مُدَرِّسٍ أَوْ فُقَهَاءَ وَإِمَامٍ؛ فَلِكُلِّ جِهَةٍ الثُّلُثُ أَيْ: (وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْجَيْشِ) فَإِنَّ فِيهِ الْمُقَاتِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ (فِي الْمَغْنَمِ) سَوَاءٌ (لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْضِيلِ). وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا (لَوْ عَطَّلَ مُغِلٌّ) وَقْفَ (مَسْجِدٍ سَنَةً، قُسِّطَتْ أُجْرَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى السَّنَةِ الَّتِي تَعَطَّلَ مُغِلُّهَا (وَعَلَى) السَّنَةِ (الْمَاضِيَةِ) الَّتِي لَمْ يَتَعَطَّلْ مُغِلُّهَا لِتَقْوِيمِ الْوَظِيفَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَلَا يُنْقِصُ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعَطُّلِ الزَّرْعِ بَعْضَ الْعَامِ (وَ) قَالَ (فِي الْفُرُوعِ ) فَقَدْ أَدْخَلَ يَعْنِي الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ مُغِلَّ سَنَةٍ فِي سَنَةٍ، وَقَدْ (أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَّا)؛ أَيْ: الْحَنَابِلَةِ (فِي زَمَانِنَا فِيمَا نَقَصَ عَمَّا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ كُلَّ شَهْرٍ أَنَّهُ يُتَمِّمُ مَا بَعْدَهُ) وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ انْتَهَى.وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: إذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ؛ فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ (وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَقْفِ فَكَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقٌ (لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِلْمِ، لَا كَجُعْلٍ، أَوْ)؛ أَيْ: (لَا) كَ (أُجْرَةٍ) عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى نَوْعِ الْقُرْبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ الْمَشْرُوطِ فِي الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ فِي النَّاظِرِ (وَكَذَا مَا وُقِفَ عَلَى أَعْمَالِ بِرٍّ وَمُوصًى بِهِ وَمَنْذُورٌ لَهُ) لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ انْتَهَى.وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: وَلَا يُقَالُ إنَّ مِنْهُ مَا يُؤْخَذُ أُجْرَةٌ عَنْ عَمَلٍ كَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَوَّلًا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ، بَلْ هُوَ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى قُلْت: وَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِشَرْطٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ انْتَهَى.وَهَذَا فِي الْأَوْقَافِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا الْأَوْقَافُ الَّتِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ أَوْ الْمُلُوكِ فَلَيْسَتْ بِأَوْقَافٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ أَوْقَافٌ بِالصُّورَةِ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهَا- وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَشْرُوطَ- كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى مُوَافَقَةً لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي وَقْفِ جَامِعِ طُولُونَ وَنَحْوِهِ. وَفِي الْيَنْبُوعِ لِلسُّيُوطِيِّ فَرْع: نَذْكُرُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ فِي الْوَظَائِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ كُلِّهَا، إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ؛ فَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَطَالِبِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ، وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرِ مُتَقَيِّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ، وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَتَنَاوَلُ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ، وَلَا اسْتَنَابَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلِ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ- وَلَوْ قَرَّرَهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ الْوَظِيفَةَ- لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ بِجُعْلِ أَحَدٍ انْتَهَى.وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا (مَنْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ، قُوِّمَ لَهُمْ رَوَاتِبُ أَضْعَافُ حَاجَاتِهِمْ) أَيْ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَقُوِّمَ لَهُمْ جِهَاتٌ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ) فِي الْجِهَاتِ (بِيَسِيرٍ) مِنْ الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَالنِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ) مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَنَحْوِهَا (جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ) وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى لَهُ: وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْهُ (إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ) فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَا اُسْتُنِيبَ فِيهِ (وَلَا مَفْسَدَةَ) رَاجِحَةٌ انْتَهَى.وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الْحَائِطِ.
|